السياسة من الدين
كتبه : محمود الحفناوي .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
يقول بعض المغرضين : إنه لا علاقة بين السياسة والدين وأن دين الإسلام جاء لكي ينظم العلاقة بين العبد وربه ، فلا علاقة له بسياسة المجتمع أو بتنظيم أمور الحياة .
يقول الدكتور محمد سرحان: ولعل من غير المرغوب فيه دفع رجال الدين ، والجيش ، والبوليس للمبايعة ، فهذه الجهات لا يجب توظيفها سياسيا، عملا بمبدأ أرساه الرئيس السادات وهو ( لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين ).
والواقع أن السياسة جزء من أجزاء الدين لا تنفك عنه أبداً الآبدين، وأن القول بفصل الدين عن الدولة أو السياسة هو عين ما تدعوا له العلمانية التي تريد أن تجعل الدين في واد والدولة في واد آخر .
والحقيقة أن قولهم هذا باطل مردود عليهم من كل باب دخلوه وعلى أي وجههِ أرادوه، فالإسلام دين ودولة، عبادة وسياسة والذي يقول غير ذلك فهو يهرف بما لا يعرف، لأن هذه الدعوة تخالف آيات القرآن الكريم وتضرب بها عُرْض الحائط، والذي يتلوا القرآن الكريم يجد آيات كثيرة تنظم حياة الأمم والشعوب وتضع القواعد الأساسية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، وتتولى أمور السياسة والحكم، وترسم الطريق لولاة أمور المسلمين، وتبين أن السياسة منى صميم الدين.
ومتن ذلك قوله تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) } [النساء = 105] قال تعالى { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) [ المائدة -49]، وقال تعالى { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) } [ الأنعام: 57 ].
وكذلك الآيات التي جعلت الرضا بحكم الرسول الأمين شرطا في إيمان المؤمنين ، قال تعالى { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [ النساء: 65 ]،
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يقسم تعالى بنفسه الكريمة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الأنقياد له ظاهراً وباطناً ولهذا قال تعالى { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [ النساء: 65 ].
أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كليَّاً من غير ممانعه ولا مدافعه ولا منازعة .
وهناك آيات كثيرة فصلت أحكام الديات والقصاص والحدود وكثير من القواعد والأحكام التي نظمت المجتمع على الصراط المستقيم والطريق القويم، وكذلك أحكام القتل والزنا والحقوق المالية والعينية.
وعلى ذلك فلا حجة لمن قال بالفصل بين الدين والسياسة كما أن هذه الدعوى تناقض واقع الإسلام وتخالف حقائق تاريخية فالمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بني مسجده في المدينة بعد الهجرة مباشرة، ولم يقتصر دور المسجد على كونه مكاناً للعبادة فقط ولكن كانت له مهمات أخرى .
فقد تجلت رسالة المسجد النبوي الشريف وقد شهدنا نشاطات المسلمين في كافة المجالات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقيام المسجد النبوي في المدينة كان نقطة تحول في حياة المدينة بل في حياة البشرية بأكملها ، ففي المسجد النبوي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين أمور دينهم ودنياهم .
ومن هنا كان المسجد النبوي أول جامع للمسلمين ، أول برلمان للإسلام فيه يناقش المسلمين قضايهم، وفيه يعقد مجلس الشورى ، وفيه يعقد لواء الحرب، وفيه تعقد المعاهدات ، وتستقبل الوفود، والمحكمة الكبرى التي يحكم فيها بين المتخاصمين ، وتصدر فيه الأحكام القضائية.
وعلى ذلك فالمسجد نفسه كان له دور سياسي بارز، ومن داخله كان تنظيم شئون المسلمين وتدار أمور حياتهم، وبهذا يظهر أن الإسلام ليس دعوة إلى الكهنوت أو الصومعة ولكنه منهاج حياة كامل وشامل لكل أمور الدنيا والدين .
باحثة أمريكية تقول: النبي محمد عليه السلام كان صاحب أول دستور ديمقراطي في التاريخ،س ذكرت باحثة أمريكية في جامعة جونز هوبكنز أمام الرئيس الأمريكي جورج بوش، أن الرسولَ محمداً صلى الله عليه وسلم ، كان صاحب أول دستور ديمقراطي في التاريخ، فيما قال بوش إنه سيطرح هذه الفكرة كمدخل لمجموعة العمل، التي شكلت بشأن العراق.
وقالت الباحثة كانديس ديفيز إن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، كان صاحب أول دستور عرف في العالم، وهو الدستور الذي وضعه للمدينة المنورة.
وأضافت أن النبي وضع ضمن مبادئ هذا الدستور حماية المرأة وحقوقها، ورعاية الأطفال والفقراء والمساواة بين جميع الناس، وأسس حل النزاعات بين القبائل المتحاربة في الجزيرة العربية، ومنح المرأة والرجل حقوقًا متساوية في التعبير عن آرائهم، واحترام جميع الأديان وحماية أصحابها والحق ما شهدت به الأعداء.
فصل الدِّين عن السياسة
أول ما رتبه العلمانيون على نظريتهم في العلاقة بين السياسة والدِّين: أنهم فصلوا السياسة عن الدِّين، والدِّين عن السياسة فصلاً تاماً، وأشاعوا المقولة الشهيرة: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدِّين ! وهي مقولة لا تثبت على محكِّ النقد والمناقشة.
بل هناك من ينادي بفصل الدين عن الحياة كلها، ولا ينبغي له أن يكون له دور إلا في ضمير الفرد، فإن سمح له بشيء أكثر ففي داخل المعبد (الكنيسة أو المسجد) وهو ما سماه د. عبد الوهاب المسيري : ( العلمانية الشاملة).
مناقشة مقولة: لا دين في السياسة:
فما معنى : لا دين في السياسة: أتعني: أن السياسة لا دين لها، فلا تلتزم بالقِيَم والقواعد الدِّينية، وإنما هي (براجماتية) تتبع المنفعة حيث كانت، والمنفعة المادية، والمنفعة الحزبية أو القومية، والمنفعة الآنانية، وترى أن المصلحة المادية العاجلة فوق الدِّين ومبادئه، وأن الله وأمره ونهيه وحسابه، لا مكان له في دنيا السياسة.
وهي في الحقيقة تتبع نظرية مكيا فللي، التي تفصل السياسة عن الأخلاق، وترى أن ( الغاية تبرِّر الوسيلة)، وهي النظرية التي يبرِّر بها الطغاة والمستبدون مطالبهم وجرائمهم ضد شعوبهم، وخصوصا المعارضين لهم، فلا يبالون بضرب الأعناق، وقطع الأرزاق، وتضييق الخناق، بدعوى الحفاظ على أمن الدولة، واستقرار الأوضاع ... إلى آخر المبرِّرات المعروفة.
ولكن هل هذه هي السياسة التي يطمح إليها البشر؟